Sunday, November 9, 2008

حرامي في الموقف

لا أدري لم قفز هذا الموقف من أعماق ذاكرتي, فلم يحدث ما يحفز خروجه المفاجئ والذي جعلني أتبسم عند تذكري لأحداثه..
إلى الآن, لم أتوصل لتفسير منطقي لتصرف صانعي هذا الموقف, فقد كان موقفاً جماعياً بغير إتفاق, تم خلاله وصم أحدهم بالسرقة والنصب بدون سابق معرفة وبسبب مبلغ زهيد وهو سبعة جنيهات ونصف.
هذه الحادثة جرت أحداثها في أحد وسائل النقل العامة, والمعروف بالسرفيس (المشروع عند الإخوة الإسكندرانية) والتي أميل لوصفها بصفائح التخليل إقتداءً بأحد الكتاب الذي استطاع وصفها بدقة متناهية.
كنت أستقل هذا الميكروباص في طريقي إلى المنزل, وفي هذه الأيام السعيدة كانت الأجرة لا تتعدى الخمسة وسبعون قرشاً (الله يرحمها أيام) وكالعادة, قام الركاب بجمع الأجرة لأدائها في وقتها إلى السائق عندما يبدأ رحلته الميمونة.
عادة يتم جمع الأجرة "بعد" تحرك المركبة, ولا أدري ما حدث يومها جعل أحد الركاب متحمساً لجمعها قبل صعود السائق على متن الصفيحة - أقصد المركبة - وكان أن قام بجمع مبلغ سبعة جنيهات ونصف هي مجموع الأجرة المستحقة عن 10 أفراد هم ركاب القسم الخلفي.
وجاء السائق, وتحرك بالصفيحة, وبعد الخروج من الموقف, طالب بأجرته, ليخبره الناس بأنهم قاموا بدفعها للشخص بالأمام,وبنظرة فاحصة على محتويات السيارة, تبين اختفاء المحصل ومعه الحصيلة.
وبالبحث والتحري, تبين أن المحصل قام بالإنتقال إلى صفيحة أخرى (لأسباب مجهولة إلى الآن) وأنه قد استولى على مبلغ الأجرة كاملاً (حسب كلام الركاب) لنفسه, وبدأت الأدعية تنهال على رأس النصاب والحرامي الذي طمع في مبلغ تافه (حسب كلام الركاب), وكيف أن الدنيا لم يعد بها خير ولا ذمة ولا ضمير, وكيف يرضاها على نفسه وأولاده, وأنه ابن كذا وكذا وكذوات.
لعلي كنت الوحيد في الصفيحة الذي لم يعلق على هذا الموقف, وكدت أهم بدفع الأجرة مرة أخرى لولا عناية الله التي أرسلت لنا صفيحة أخرى تجري بسرعة البرق محاولة اللحاق بنا, وبعد فترة فهم السائق أن زميله يحاول اللحاق به وليس مسابقته, فهدأ من السرعة ليتبين, فوجد "المحصل" ماداً يده من النافذة بأجرة الركاب.
إذاً فالرجل لم يكن نصاباً, ولم يستحل مال الغلابة, ويمكن إرجاع ما حدث إلى السهو الناتج عن التسرع من قبل المحصل الذي نسى أنه قام بجمع الأجرة.
ما أضحكني هو رد فعل الناس, ففي لمح البصر, تحول "النصاب والحرامي ابن الكذا والكذا" إلى "الأمين والجدع والأصيل", وكأن من يمدحونه الآن لم يقوموا بسبه ولعنه هو وأجداده منذ لحظات.
ما لفت نظري هو الإستعداد الفطري للناس لإتهام أي شخص بالمساوئ, وعدم القدرة على إلتماس الأعذار – شخصياً, توقعت السهو من جانب المحصل ولم يتطرق لذهني السرقة مطلقاً-.
هل هذا طبيعي؟

No comments:

Post a Comment