Saturday, May 30, 2009

قوى الشعب الثائر

تنبيه هام:

السطور القادمة قد تحتوى على أفكار تصطدم مع قارئيها بقوة, لذا وجب التنويه

أنا عايز أتكلم عن شعب مصر العظيم, الشعب المكافح, الفقير, الضحوك, الصابر, المبتلى منذ الأزل, صاحب الدم الخفيف, والأكتر طيبة وسذاجة على مستوى العالم وعلى مر العصور

ماله الشعب ده بقى؟

أنا وصفته باللي أنا شايفه فيه, بس فيه ناس تانية بتحب تديله وصف تاني, الوصف ده بصراحة بيستفزني, لإني مش شايفه ومش حاسس بيه, مش لاقي حاجة واحدة بتحصل بتدل على إنه بيتمتع بالصفة النادرة دي.



الصفة دي هي الثورية, قال إيه.. الشعب المصري شعب ثوري



بأمارة إيه إن شاء الله؟

واللي بيتكلموا عن "ثورجية" الشعب المصري, شافوها فين وامتى وازاي؟؟



الناس متوقعة ثورة تحصل قريب, بسبب الظروف اللي الناس بتمر بيها, بس أنا بقول إن حتى لو الثورة دي حصلت, مش هتطلع من الشعب, صحيح الشعب هيشجعها, ويمشي معاها ويساندها, بس مش هتطلع من الجماهير, هتطلع من ناس واصلة في الجماهير, بإيديها إنها تغير, قيادات هتقوم بالخطوة الأولى ... ويمكن خطوات تانية كتير بعدها كمان, وبعدها الشعب هيكتشف انهم موجودين ويمشوا معاهم (مع الرايجة) ويعلوهم ويوصلهوم للي هم عايزينه, وبعد كدة؟؟

هيسيبوهم يتصرفوا زي ما هم عايزين بإعتبارهم ناس ثقة وجدعان وهم اللي عملوا الثورة.

مش كان فيه حاجة حصلت قبل كدة بالنظام ده؟؟

استنوا افتكر كدة...

أه, اللي بيسموها دي ثورة يوليو المجيدة


أنا رأيي (وده رأي شخصي لا يعبر عن أي اتجاهات سياسية) إن دي لا ثورة ولا يحزنون, دي بكل بساطة وزي ما الناس كلها عارفة (وكدبوني لو عايزين) مجموعة من ظباط الجيش, معترضين على الحالة اللي هم فيها, قالوا يعملوا "حركة" عشان يخلوا الملك يبصلهم, الحركة كبرت ووسعت, ومع إنها ما كانتش على مقاسهم, إلا إنهم بمهارة شديدة يحسدهم عليها أي ترزي "قيفوها" وظبطوها وعملوها ثورة.


وبما إن الشعب الجميل بتاعنا.... "جميل" مشي معاهم ووافقهم ومشي وراهم عشان يطردوا الملك "السكري بتاع النسوان والقمرتي الوحش الكخة" وحطوهم مكانه.

ييجوا يقولوا ثورة شعبية, لأ, لا شعبية ولا يحزنون, ده ببساطة حركة عسكرية قلبت بإنقلاب, والإنقلاب قلب بثورة خلت الملك يمشي وجابوا ملوك تانيين "ميري", وعشان الناس تحس إن فيه حاجة اختلفت, سموا نفسهم "رؤساء جمهورية", وبدل ما التوريث يبقى لأفراد العائلة, بقت للي يعرف يوصل من "الظباط" للكرسي, (محدش لاحظ إن كلهم لحد دلوقتي عسكريين؟).
المصيبة بقى في إيه؟؟
لو اللي مسك الرئاسة ده واحد بيفهم وبتاع ربنا و"ديموقراطي" فعلاً, ما كانش بقى فيه مشكلة, إنما الناس دول زي ما قلت "عسكريين" اتعودوا على الأوامر اللي بتتنفذ بمجرد ما تطلع من بقهم اللي ما بينطقش غير كل حاجة حلوة (الحاجات الحادقة لأ). فصعب عليهم يقبلوا مناقشة أو مراجعة في رأي.

بس دي مش مشكلتي, الناس دي خلاص أنا فقدت الأمل فيهم, أنا عيني على الناس اللي الكل حاطط عليهم الأمل...
الشعب

عايزين الصراحة, أنا برضه فاقد الأمل في الشعب, هتسألوني ليه؟
هقولكم ليه, تعالوا كدة نشوف الشعب عمل إيه في الفترات اللي الحياة كانت فيها ضنك وفقر وهبدأ من بدري قوي, من أيام الهكسوس

أيوة , الهكسوس, اللي احتلوا مصر وطردوا الفراعنة اللي كانوا فيها, والشعب واقف يتفرج, وفضل فترة طويلة ما بيتحركش, لحد ما جه أحمس وخرج بيهم وعمل ثورة, الهدف منها إعادة الفراعنة للحكم, مش تحسين أوضاع الشعب, يعني الثورة جت من ملك علشان الملكية تستمر.

ثورة 1919, قام بيها الشعب عشان فرد "سعد زغلول", قبل نفيه ما حدش اعترض على اللي بيحصل وكانوا مسلمينها للي فوق هم يتصرفوا, وراضيين بالهم والإحتلال, بس لما اتقبض على سعد واتنفى, الدنيا قامت وما قعدتش, ليه؟
عشان الشعب ما كانش عنده البديل عنه, "اتعودوا" عليه وعلى إنه هو اللي بيتكلم عنهم وما تخيلوش انهم ممكن يعملوا حاجة من غيره.

ثورة عرابي, دي ثورة عسكرية برضه, عرابي قام بيها عشان يحسن أوضاع الجيش, وفشلت, عشان كانت من الجيش للجيش, محدش دخل فيها غيرهم.

فيه ثورات تانية؟ ما اظنش, آخرها كان ثورة يوليو "المجيدة" اللي قارفيننا بيها من أكتر من 50 سنة ولحد دولقتي عايشين على حسها وبيتناقشوا في اللي عملته واللي ما عملتوش.

إنسوا يا ناس, 50 سنة دول كتير قوي, فيه حاجات كتير اتغيرت واتبدلت, الدنيا ما بقتش هي الدنيا, هيهمنا في إيه عبد الناصر "كان" بيعمل إيه, ولا السادات "عمل" إيه, اللي يهمنا دلوقتي "إحنا", الناس اللي شبه عايشة دلوقتي ويا ريت عارفين يعيشوا صح.

تقدروا تقولولي بقى إزاي ممكن شعب مطحون زي شعبنا يقوم بثورة؟
إزاي يثور وهو كل ما يتضرب يقول معلش, بكرة ربك هيعدلها؟
وكل ما يموت له واحد محروق أو غرقان أو مخبوط أو مضروب برصاصة ميري يقول منهم لله؟
إزاي هيثور وهو اتعود طول عمره يدعي وبس, من غير ما يعمل اللي يقوي دعائه؟

إزاي يثور وهو ما بيعرفش؟

قال ثوري قال...

مع الإحترام للشعب العظيم

Tuesday, May 12, 2009

وحيد عصره

كنت أظن أن زمن "العلّامة" قد إنتهى, والعلّامة لمن لا يعرف هو ذلك الشخص العالم, المتوسع في علومه, المتمكن منها, أو ما يطلق عليه بالعامية "كشكول", تسأله في أي مجال تجد عنده الإجابة الوافية, ولن تحتاج إلى المراجعة أو البحث والتقصي عن صحة إجاباته, فهي بالتأكيد صحيحة لا يشوبها الخطأ.

والتاريخ – انتبه لكلمة "التاريخ"- ملئ بأمثال هؤلاء, يكفي أن تراجع تاريخ العلوم لترى الكثير والكثير من الشخصيات ممن تمكنوا من علوم الطب والفلك والهندسة والفيزياء والكيمياء واللغة والرياضيات وغيرها الكثير تمكناً تاماً كاملاً والأسماء كثيرة لا يتسع المجال لحصرها هنا.

ولكن أن ترى في زمننا هذا مثل هذا العلّامة, فهو ما أجده غريباً فريداً وباعثاً على الدهش والضحك في آن, فاسمحوا لي أن أحدثكم عن علّامة هذا الزمان, وحيد العصر والأوان, صاحب الخبرات ودائرة معارف الأمور الحياتية المتنقلة... "جوز خالتي".

ومن باب التوضيح, ومراعاة للدقة والصدق, فعلّامتنا ليس من النمط القديم, فهو ليس له في الطور ولا في الطحين, ليس له في علم اللغة, ولا علم الرياضيات, ولا علم الكيمياء, ولا علم الفيزياء ولا علمي علوم ولا حتى حتى علمي علمك, كل شهاداته العلمية تنحصر في أنه "شاف كتير" ولف ودار وأدى الخدمة العسكرية وأتى بما لم تستطعه الأوائل والأوربت والشوتايم مجتمعين.

له من الصفات ما يضعك دوماً في حالة الشك من معلوماتك, فهو حين يتحدث, يحدثك حديث العارف والعالم ببواطن الأمور والخبايا والأسرار, ولك مني الضمان بأنك لن تسمع منه يوماً كلمة "لا أعرف" فهي لم ولن ترد في قاموسه, وهو حين يتحدث أيضاً يندر المتحدثين من بعده, فليس بعد كلامه كلام, ليس لدقته وروعته وكماله, ولكن لأن حديثه لا ينتهي إلا حين يصيبه هو الكلل والملل, وقلما حدث ذلك قبل أن تصبح قدرة الآخرين على الإستماع لأي جديد منعدمة.

ولـ"جوز خالتي" طريقة غريبة في بدء المواضيع, فهو يفتتح الكلام بلفت نظرك إلى أنك مغفل –أو غافل اختر أيهما أسلم لكرامتك- ولا تدري ما تتحدث عنه, وللتدليل على غفلتك يتسلح بكل ما لديه من ذكريات, مقلباً في دفاتر الماضي وكتبه ما يعزز به وجهة نظره في أنك "ما تعرفش حاجة", ويسوق في سبيل ذلك الحكايا والأمثلة التي لا مرجع لها إلا هو فقط, ولربما استجدى بعض التأييد من خالتي نفسها حين تجده فجأة يلتفت إليها سائلاً "مش كدة برضه؟ فاكرة؟" وبالطبع لا ينتظر الإجابة, وتجد خالتي نفسها مؤيدة له بلا داعي, محدثة نفسها بعبارات تنم عن الحرج, ضاحكة في وجوه ناظريها راجية إياهم أن يصبروا على زوجها الذي يسترسل في الحديث, ولكأنه يؤكد مصداقية حكاياه, تجده يتحدث عن شخصيات شاركته صناعة الحدث, لا تعلمها, ولا أظنه هو يعلمها, وأعجب من تلك الذاكرة الحديدية التي تحتفظ بأسماء هؤلاء الأشخاص الثلاثية, ولربما جاء أحد الأسماء مذكراً له بحدث معين, فيقطع ما كان فيه مسترسلاً فاتحاً سيرة أخرى وموضوعاً آخر.

أذكر أنه جاء اجتماع للعائلة في يوم شم النسيم, وجاء الإجتماع على المائدة على سرب صغير من أسماك الرنجة المدخنة, ولا أدري ما دفع بالحوار إلى ناحية البطارخ وعلاقتها بالكافيار... ومداعبة منه... قام أحدهم بنكش "جوز خالتي" سائلاً إياه عن الكافيار وما استجد على أحواله, وللعجب, وللعجب العجاب, وجدناه منطلقاً في الحديث وصائلاً وجائلاً فيما هو بالنسبة إلينا غير معلوم, وأظنه سابقنا جميعاً إلى الجهل به أيضاً.

ويحدثك عن الأحذية فيقول "أصلك إنت مش واخد بالك, الكوتشيات الجديدة دي كلها مضروبة, فين أيام زمان لما كان الكوتشي يقعد بالسنة والسنتين في رجلك كأنه جديد, طب تصدق بإيه؟ أنا عندي كوتشي من أيام الجامعة – اقترب عمره من الخمسين شتاءً- لحد دلوقتي وكنت شاريه بخمسة جنيه, انتوا فاكرين نفسكوا بتعرفوا تشتروا كوتشيات؟ إحنا كنا ننزل أنا وإبراهيم عبد الله, والله يرحمه سعيد محمود, وأحمد حسنين – يعلم الله من هؤلاء- نروح بورسعيد, نقعد نلف ونروح ونيجي- ثم متجهاً إلى خالتي بالتفاتة غير كاملة, لا تحيل وجهه عن محدثه وبالتالي لا يستطيع رؤية خالتي- فاكرة يا ماما؟ لما كنا بنروح مع سعيد الله يرحمه -ثم ملتفتاً إلينا مرة أخرى- أصل بورسعيد زمان كانت غير دلوقتي, كانت حاجة تانية, كانت كل حاجة موجودة, وبرخص التراب, كنا نشتري الجزمة الريدوينج بعشرة جنيه, شوف انت دلوقتي بقى تبقى عاملة كام, وكنت تنزل بيها مصر الناس تقعد تتفرج وتقول جايبها منين وازاي وبكام" وبالطبع لا نملك أمامه إلا السكوت, فلم نكن من خبراء الريدوينج.

أخبرني أحد الثقات في عائلتنا, بعد أن تطرق بنا الحديث إلى سيرة "جوز خالتي" أنه يشاركني نفس الشعور بالنفور منه, ولكنه بحكم الوضع العائلي, مجبر على الاختلاط به, فهو الشر الذي لابد منه في عائلتنا وإن قام بالتحايل على ذلك الشر بأن صار يطلق له العنان في جلساتهم, بدون مقاطعة أو نقاش, وهو ما يستلذ له "جوز خالتي" بشدة فمن موضوع إلى آخر, لن يتوقف هذا الرجل عن الكلام, وهو ما أدركه مخالطوه, فأصبحوا حين يتملكهم الملل وتنتهي محادثاتهم – في بعض الحالات النادرة التي يتحدثون فيها فعلاً- يطلقون لسانه في أي ناحية يريدون, وإن أدركوا أن الموضوع الأهم الذي به يضمنون جلسة خالية من الصمت هو حين يذكرون بشكل خفي وخبيث ما يقوم به في عمله, فقط حين يتطرقون إلى هذا الموضوع يسود الصمت إلا من طرف صاحبنا, حين يقوم بالحكي والإخبار عما يقوم به في وظيفته المهولة, ومهامه العظيمة التي تنوء بحملها الجبال, ومع أن نشاط أعماله موسمي, إلا أنه أصبح بقدرة العلي القدير, دائم طوال العام, لا يكاد صاحبنا بسببه يجد طعماً للراحة, وإن كنت أظن أن سبب إجهاده الدائم هو ما يبذله من طاقة للحفاظ على سيارته المتهالكة التي تعاقبت عليها السنون مع صاحبنا ولم يفكر يوماً في تغييرها أو التخلص منها برغم ما تريه تلك الماكينة من شتى صنوف وأنواع العذاب, وإن كنا في عصر يقال أن المعجزات فيه قد انتهت, إلا أن "جوز خالتي" وعربته قد أثبتا أنه ما زالت هناك معجزة واحدة, وهي قدرة هذه الأعجوبة المتهالكة على السفر لمسافات تتعدى المائتي كيلو متر لعدة مرات في العام بلا مشاكل إلى الآن.

والجدير بالذكر أن هذه السيارة المتهالكة هي إرث قديم من والده, ويعتبر هو "أول مالك" لها, وأظنه من المفهوم والبديهي أنه حين يبدأ الكلام في الميكانيكا, تتحول جميع السيارات بالقدرة الإلهية إلى ألعاب أطفال قام صاحبنا بفكها وتركيبها العديد والعديد من المرات, وبكلام مفعم بالثقة تجد لديه الحل المكين والمتين لأي عطل لديك.

ومن قدرته الفائقة على تركيب السيفونات وإصلاح البوتاجازات, إلى ظبط أطباق الإستقبال وإصلاح أعطال الكهرباء انتهاءً بذبح العجول والخرفان , رأيت نفسي أُذهل بشكل دائم لما لهذا الرجل من إمكانات وقدرات قلَّما وجدت في شخص واحد, وإن كان بعضها صحيحاً, إلا أن لهجة الواثق والعالم بغير علم تجعلني أنفر من أي اجتماع يضمنا منفردين أو في جماعة, فهو فوق طاقتي واحتمالي, وإن كنت أجد في ذلك صعوبة حتى لا أغضب مني الأقارب والأحباب, فهو في النهاية... "جوز خالتي"