Wednesday, February 18, 2009

ألتوفوبيا

من عليائي أرى أرضاً مترامية الأطراف, كالصحراء هي, ولكن ليس فيها ما يشبه الصحراء, ليست من الرمال, وليست من الصخور, تتغير بنيتها على الدوام, فلا تستقر على حال, ولكن على العموم, ليس هذا ما يَهُمني الآن, فلأخرج نفسي من هذه الورطة أولاً.

ما الذي أوصلني إلى هنا؟ أجد نفسي واقفاً على حافة سور, وما السور كله إلا حافة تتسع فقط للوقوف بقلق على خط رفيع عرضه بعرض الأحجار المكونة للسور, والغريب, أن هذا السور لا يحيط بأي بناء, وإذا أردت الدقة, فلأصفه بالحائط, ولكن مرة أخرى, لأي بناء هذا الحائط؟

أنظر من حولي محاذراً من السقوط, يرتجف فكاي هلعاً من فكرة الوقوع, ويفزعني وجودي على هذا الإرتفاع الشاهق أصلاً, أكره المرتفعات, فما الذي أوصلني لهنا؟

بعد أن يئستُ من إيجاد حل للنزول لا تُدَقُّ فيه عنقي, تذكرت كيف كانت قفزاتي في هذه الفيافي المحيطة, قفزات عالية, طويلة, قوية, تبعث في روحي نشوة التحليق عالياً, والخوف من السقوط المفاجئ, وأذكر أن استمتاعي بها كان يزداد كلما علوت, مع أنني كنت كالمشلول على الأرض, أتحرك بصعوبة, وتبدو هيئتي كمن قُدَّ من حجر, فإذا بالحجر يستحيل سحاباً حين أفقد اتصالي بالأرض

أفيق من خواطري لأجدني ما زلت في موضعي, لا يبدو لهذا الوضع من نهاية, هل هذا حلم؟
إذا كان حلماً فلأجرب أن أستيقظ إذاً
محاولة, والأخرى, أجدني أفتح عيناي بصعوبة, جسدي المنهك متدثر بغطاء ثقيل يبعث فيه الدفء, ويطمئن قلبي حين أجدني فوق سريري, وأدرك أنه ما كان إلا حلماً آخر.

Tuesday, February 17, 2009

البعث

المكان أشبه بمحطات القطارات, تجويف في باطن الأرض يتناثر عليه البشر من كل شكل ولون, ولكن هناك ما هو خارج عن المألوف, فتلك القناة التي من المفترض أن تكون مساراً للعربات الحديدية امتلأت بمادة سوداء لها من الحرارة ما يجعل من الصعوبة بمكان أن تتنفس, ومن العجيب وجود من يقوم بالسير فوقها بشكل طبيعي, بل والبعض أخذ يمرح هنا وهناك على ألواح للتزلج, تشق السطح فيظهر من الشقوق ما يوضح لك أن هذه المادة إلا حمم بركانية, يخرج منها الضوء في مشهد بديع, لا يعادله إلا مشهد أشعة الشمس في لحظة غروب صافية.

وقفت مندهشاً مما أرى, ما الذي أتى بي لهذا المكان؟ لست من هواة قطارات الأنفاق, وهذه ليست محطة عادية بالأساس.

فزعت حين رأيت الشقوق التي أحدثها اللاعبون تتسع, تخرج منها أسود لها جسد من نار في مشهدٍ مهيب وجليل, تخيل ما لهذه الكائنات من عظمة طبيعية, أضف إليها النار, لتجد نفسك أمام قوة عظمى, لا تملك أمامها إلا الإستسلام, فإن جاء موتاَ فلا أظنني ممن يفوتون الفرصة للموت بين براثن هذه الكائنات الباهرة.

خرجت الأسود من شقوقها, تزأر وتنشر النار في الأرجاء, لم أحس بخوف ولم أرتعش, كنت مشلولاً, إذا كانت هذه النهاية فمرحباً بها من نهاية, اقترب مني أحدها فلم أتحرك, نظرات نارية نفذت إلى بقايا روحي فلملمتها وخلقت منها روحاً جديدة, وقودها نار ليست قابلة للإنخماد, إنحنيت في تبجيل, فلا يجوز غير هذا.

وكأنني نلت الرضا, أحسست باللهيب يبتعد, يرتاح الجسد وتبقى الشعلة في الروح لا تخبو, تبعث في الحنايا قوة لا تقهر, أغذيها بالكره حيناً, وبالمحبة تزداد سعيراً.