Sunday, November 9, 2014

ممكن توصيلة؟

كانت الساعة تقارب الخامسة فجراً حين وصل إلى حلوان، هذا الوقت الذي يحلو فيه المشي في الشوارع الخالية إلا من عاشقي الليل ومحترفي الهدوء الذي يخيم على المدينة، فتبدو لك كأنها لم تعرف صخباً قبل ذلك، حين تسير في الشوارع فتظهر لك من مبانيها الساكنة الحزينة ما استتر في الصباح خلف المعروض من باعتها الجائلين طوال اليوم في صخب، وتدهشك تلك القدرة العجيبة على أن تقوم بعض الملابس أو الأحذية المعروضة هنا وهناك بإخفاء بنايات كاملة وكأن ليس لها وجود، وكأن الشوارع ما رأت إلا هؤلاء الباعة حديثي العهد بشوارع المدينة القديمة.
كان على وشك الانطلاق في هذه الأفكار عندما قاطعه استفسار بصوت خفيض، صدر عن فتى رقيق الحجم لم يهتم بالتدقيق في ملامحه، وكان الاستفسار غريباً في حينه، حيث أنه لا يوجد من الغرباء من يأتي لحلوان في مثل هذه الساعة ويسأل على محطة المترو.
وكانت الإجابة مقتضبة "آخر الشارع، بعد ناصيتين."
ثم جاء الطلب من الشاب على استحياء "استأذنك توصلني معاك؟"
ساورته الشكوك ومن بقعة ما في عقله ظهرت تلك الحكايات التي تحذر من الغرباء في زمننا الغريب، فقال في محاولة أخيرة مشيراً بيده إلى اتجاه المحطة "المسافة مش بعيدة، امشي كده وهتوصل"
فكان الإلحاح من جانب الشاب بنبرته المهذبة وبصوته الخفيض أصعب من أن يتمكن من تجاهله، فوافق في النهاية "تعالى معايا"
قبل أن تكتمل خطوتان من الطريق، وجد أن الفتى قد تعلق بذراعه، وفي ضيق واضح أراد أن يكون جارحاً قال "انت شايف إن ليه لازمة يعني الكلام ده؟"
وجاءت الإجابة على استحياء، بسيطة، وقاتلة:
"معلش، أصل أنا ما بشوفش كويس"
حينها يدرك أنه لو كان قد دقق في صفات هذا الفتى خفيض الصوت لوجد قامة هزيلة، ضعيفة، تحاول جاهدة أن تملأ فراغ القميص الفضفاض بلونه الباهت المحاكي لسماء ربما لم ترها عيناه يوماً، وشعر داكن مسرح بعناية إلى الجانب فوق رأس مستدير، وظهر محني في استكانة واستسلام، وعينان شبه مغلقتين يظهر جزء من بياضهما حين يرفع الشاب رأسه ويلقيها إلى جانب حتى يسمع بشكل أفضل ما يقال له.
تنطلق منه عبارات الأسف ويتلقاها الشاب ويقبلها في كرم مخجل وبأدب يجعل صاحبنا يتوقف عنها فجأة حين يدرك أن الفتى لديه هذه القدرة على أن يلقي اللوم على نفسه ويجعل اعتذارك يبدو وكأنه صادر منه هو وليس منك وكأنه طلب للعفو عنه بسبب إعاقته، وكأنه أدرك الحرج الذي أصاب صاحبنا فجعل يحيله إلى نفسه وبشكل خفي أصبح الشاب هو المسؤول عن هذا الحرج، وكأنه يقول "لو لم أكن ضريراً لما وضعتك في مثل هذا المأزق"
تأخذهما خطواتهما باتجاه المحطة ومع كل خطوة يلعن صاحبنا نفسه في السر على صفاقته ويتبادل الحوار في العلن مع الشاب، فيدرك أن اسمه "أحمد" وأنه قد فاتته الحافلة التي تذهب به إلى مدرسته في حدائق القبة لذلك اضطر للنزول إلى حلوان –حيث أنه يسكن في إحدى الضواحي- لاستقلال المترو، وأنه كان عالقاً في مكانه الذي وجده فيه بانتظار المساعدة من أي من المارة الشحيحين في هذا الوقت للذهاب إلى المحطة.
لم تكن رحلتهما إلى المحطة لتستغرق دقيقتين، ولكنها امتدت إلى عشرة حين وجدا أن الشوارع غارقة في مياه تسربت من إحدى المواسير المكسورة، فاضطرا إلى المحاورة والمناورة مع الطرقات التي ضاقت ببضاعة يحاول أصحابها إنقاذها من الغرق، ويحاولان مع هذا الطريق وذاك فلا يفلحان إلا في المحاولة الثالثة وعلى مضض، كل ذلك والفتى متعلق بذارع صاحبنا تعلق قشة بكنزتك الصوفية، ويُراع صاحبنا لمثل هذه الخفة بالفتى، ويرغب أن يصرخ به "كفاك أدباً وتخلقاً، وقم بعقابي على ما اقترفت في حقك من سوء" ويجاهد في أن يساعد الفتى على الوصول لوجهته بدون أن يتضرر بهذا التيار المنساب في الشوارع، فيقوم بتوجيهه في محاولات غير متمرسة إلى هذه النقطة أو تلك فيجد أن توجيهاته قاصرة وأن هذه التوجيهات قد أدت بالفتى للمشي في بركة طين أو أن قدمه قد اصطدمت بقطعة من الرصيف فيعتذر بصدق، ويقبل الفتى اعتذاره بحرارة.
كل هذا والفتى يحادثه حيناً ويصمت حيناً بين خطواتهم المتعجلة، وصاحبنا غير قادر على مباشرة النظر إليه، ويتبادلان الحديث المتقطع من وراء حائط من الخجل من جانب صاحبنا، ومن وراء رقة في القول من طرف الشاب تحاول أن تخفف من وطأة ما حدث وكأنه شيء معتاد في حياته.

وبعد انتهاء الرحلة القصيرة إلى المحطة، كاد صاحبنا أن يعرض على الفتى أن يبقى بصحبته حتى تنفتح أبواب المحطة، ولكنه أدرك أن الوقت لا يحتمل الانتظار وأنه لو انتظر فسيكون ذلك دافعاً أكثر للحرج لكلاهما، فما كان منه إلا أن ألقى عليه السلام... وذهب.

Tuesday, December 6, 2011

أبو طارق

أحسست أنها لن تكون رحلة عادية تلك التي ستجمعني بهذا السائق، فالصخب الذي صاحب معرفته بأنني سأقوم بنقل "أنبوبة بوتاجاز" في سيارته، جعلني أدرك أن رحلتي معه والمقدر لها ربع الساعة، لن تكون بالصامتة، فما أن أخبرته -من باب الكياسة- أن لدي أنبوبة أرغب في نقلها في سيارته، حتى انطلق في حماسة أفزعتني بعض الشيء، قائلاً "وماله، ما أنا كمان معايا أنبوبة" وحيث أنني ظننت أنه يتحدث عن أنبوبة الغاز الطبيعي التي تسير بها السيارة، فلم أعلق، فلم أجد ما أعلق به، ولكنه كررها حتى اضطررت في النهاية إلى التجاوب معه في برود "ربنا يستر بقى وما نتثبتش في الطريق".

الاسم كان "أبو طارق" والمهنة هي سائق تاكسي وموظف بشركة الكهرباء، والأزمة التي يواجهها تتعدى أزمة العديدين في مدينتنا من حيث كونها أزمة "أنبوبة" فقط.

بدأ الحديث بيني وبين أبو طارق كالعادة بين أي مواطنين مصريين أصيلين بالسب واللعن في آباء وجدود المسؤولين، بداية من المسؤولين عن مستودع الغاز مروراً بالفائز الجديد بمنصب النائب بمجلس الشعب، والذي اعتبره أنا منافقاً ويعتبره أبو طارق "ابن ستين كلب كداب وملوش لازمة"، حتى وصلنا إلى صديقه الذي ما أن علم بالأزمة التي يتعرض لها أبو طارق، وما أن علم أنه قد حصل على الأنبوبة بسعر ٣٥ جنيه حتى لام على الرجل أنه لم يلجأ إليه، فلديه ٤ أنابيب "استبن" في المنزل، وحين راوده "أبو طارق" عن إحداها، أبى الصديق الوفي أن يعطيها إياها إلا بعد أن يقوم بإعطائه أنبوبة أخرى فارغة مكانها، فكما يقولون، الصديق وقت الضيق.

الأسطى "أبو طارق" لم يهتم كثيراً بمشكلة الأنبوبة، فليست هذه هي كبرى مشاكله، ففي دقائق الصفاء التي جمعتنا، حكى لي عن أزمته التي ابتلاه الله بها منذ شهر فبراير الماضي، وذلك حين سُرقت سيارة الأجرة الأخرى التي يمتلكها، فيقول "أبو طارق" حاكياً لي عما حدث:
أنا رحت النيابة عشان ياخدوا أقوالي في المحضر، وأنا داخل عند وكيل النيابة لقيت محامي بيقول لي "خير يا حاج، داخل في إيه؟" قلتله "العربية مسروقة وداخل أدي أقوالي" ويحكي أبو طارق عن كيف قام هذا المحامي بطمأنته بشكل مبالغ فيه أنه "خير إن شاء الله، ما تقلقش يا حاج، كل حاجة هتبقى تمام، ما تقلقش خالص، الموضوع بسيط إن شاء الله"، ويستمر الكلام على لسان "أبو طارق" مستعجباً من هذا المحامي "بعد ما دخلنا عند وكيل النيابة، فوكيل النيابة بيقول له وحضرتك مين؟ فراح المحامي رادد فلان الفلاني حاضر عن المجني عليه، ولحد كده والموضوع مفيهوش مشكلة، عادي، قلت بقى وأنا خارج ومن باب الذوق يعني هديله ٥٠ جنيه في إيده، ولو إنه ما عملش حاجة.

يضحك "أبو طارق" عند وصوله إلى هذا الجزء من الحكاية، وأحس بعصبية وتحفز في الكلام حين أخبرني "المحامي أول ما شاف الخمسين جنيه دول قال لي إيه ده يا حاج؟ ٥٠ جنيه؟ رحت قايل له أمال عايز كام؟ فالمحامي رد، قال ٥٠٠ جنيه. هنا ركبني عفريت بقى -والكلام لأبو طارق- وشوطت في الراجل، ٥٠٠ جنيه عشان يا دوب دخلت لوكيل النيابة قلتله إسمك وإنك حاضر معايا؟ وعمال تعمل لي هُلليلة وان شاء الله بسيطة يا حاج وما تقلقش وما تتنيلش، حسستني إني داخل في جريمة قتل مش عربيتي هي اللي مسروقة، والظاهر إن المحامي كان متعود على الكلام ده، فقال لي"يا حاج أمال انت عايز إيه؟" قال له مش عايز حاجة، أنا ما قلتلكش تيجي أصلاً، انت اللي جيت رميت نفسك، ما انت لو محامي محترم ما كنتش تعمل كده، أنا أهو سواق تاكسي، ما بقفش كل شوية أقول للزباين "عايز تاكسي" واللي بيعمل كده سواقين الملاكي اللي دي مش شغلتهم، زي ما انت كده شغلتك مش محامي أصلاً...

ويستمر الحديث لأبو طارق في حسرة وغضب "رحت حكيت اللي حصل ده لواحد صاحبي وبقول له "هو أنا داخل في إيه بالظبط؟ عربيتي اللي اتسرقت ولا قتلت قتيل؟" فلقيت صاحبي اتقلب على روحه من الضحك، واللي زاد وغطى ألاقي الواد ابني بيقول لي أنا هخش حقوق، قلت طلاق بالتلاتة ما يحصل أبداً يا ابن الكلب، ومراتي تقول لي إيه اللي انت بتقوله ده، قلتلها هو كده، طلاق بالتلاتة ما يعتبها، عايزاه يطلع محامي يلف في النيابات والاقسام بيشحت؟ ده انت يا جدع -موجهاً الكلام لي هذه المرة- تدخل القسم من دول تلاقي ناس مرمية في كل حتة، ويعمل إيه بقى، مش ييجي يعرف نفسه إنه محامي ولا حاجة، لأ، يلاقيك انت وواحد صاحبك بتتكلموا، يروح واقف جنبيكم يسمع الكلام، لحد ما يلاقي فرصة ويدخل "بالظبط كده، هو ده الصح اللي يتعمل، ولو عايز أي مساعدة، أنا تحت أمرك"، شغل تلقيح جتت وبلاوي زرقة.

انتهى الجزء المضحك في قصة "أبو طارق" وفوجئت بتبدل تام في صوته وكأنما يوشك على البكاء، وزفرة طوية حارة في هذه الليلة الباردة، أعقبها بقوله "انت عارف اللي مضايقني في اللي حصل ده كله إيه؟ مش العربية اللي اتسرقت، ولا المحامي اللي كان عايز يضحك عليا، أنا اللي حارقني ان شركة التأمين لحد دلوقتي مش عايزة تعوضني عن العربية عشان ظابط ابن وسخة كتب في المحضر إنها اتسرقت بسبب الإهمال"

سألته "إهمال ازاي يعني؟" فأجاب "اللي حصل بالظبط إني في اليوم ده كنت واقف في الشارع اللي الميكروباصات بتنزل فيه الزباين، على أساس لو فيه زبون عايز تاكسي أبقى واقف هناك وأهو الواحد يرزق، اللي حصل إني لما كنت واقف لقيت موتوسيكل وقف جنبي، واحد رَفَّعني بطبنجة، والتاني أخد المفاتيح وأخدوا العربية ومشيوا، رحت أنا القسم عشان أعمل المحضر، فالضابط سألني على اللي حصل، قلتله كل اللي حصل، راح طالعلي بشوية حاجات بقى غريبة ما تعرفش إيه قصتها، يقول لي هاتلي وصولات الأقساط اللي بتدفعها عشان التأمين، رحت مروح وجبتهاله، قال لي استنى هنا شوية، وعليها ساعتين ولا عبرني، وبعد ما قعدت أكتر من ٦ ساعات في القسم من ساعة ما العربية اتسرقت، لقيته بيقول لي روح على المكان اللي اتسرقت فيه العربية واستناني هناك عشان أروح أعمل معاينة"

فوجئت شخصياً بهذا الرد من الضابط، وتوقعت ما كان من "أبو طارق" وتأكد لي ما توقعته حين قال "أنا بقى ساعتها ركبني عفريت، رحت قايل له، تروح تعاين إيه؟ بقول لك العربية اتسرقت، اتنين رفعوا عليا سلاح وسرقوا العربية، يعني حتى ما فيش قزاز اتكسر، تروح تعمل معاينة على إيه؟ تصدق انك راجل ابن دين كلب"

هنا ابتسم "أبو طارق" في مرارة وقال "وبكل بساطة، راح كاتب في المحضر إن العربية اتسرقت بسبب الإهمال، عشان أنا سبت العربية مفتوحة ونزلت أصور ورق لنفسي في مكتبة قريبة، وطبعاً، التأمين ملوش فيه، المحضر الرسمي بيقول كده".

كنا قد وصلنا حينها إلى المنزل، وعلى قدر ما كانت حكاية "أبو طارق" مأساوية، على قدر ما أحسست بالخجل حين جاءت لحظة الحساب، فقد أحسست بنفسي مدفوعاً إلى زيادة الأجرة بمقدار ٥ جنيهات، ولكنني حين حسبتها، فليس هذا بالمبلغ الذي سيساعد الرجل، وفي نفس الوقت، فأنا في حالتي الحالية لا أستطيع التخلي عن هذا المبلغ، لعن الله البطالة والضباط.

Thursday, July 21, 2011

وحشتني يا سيادة الرئيس السابق

فجأة، وبدون أي مقدمات انتابني ذلك الشعور المؤرق بالوحشة، افتقدته، بعد خمسة وعشرين عاماً من تواجده الدائم واعتيادي على طلته البهية من آن لآخر... افتقدته


من لنا بعدك يا سيادة الرئيس السابق؟

حتى الآن لا أصدق أنني أقولها... "الرئيس السابق"...

من سيفقدنا الأمل في حياتنا من بعدك؟ من سيطرح عن عقولنا أي خاطر للحرية في غيابك؟ ومن سيقضي على أحلامنا من قبل أن تولد وأنت غائب عن دنيانا؟

لا أفقدنا الله حسك يا سيادة "الرئيس السابق"، فحسك في دنيانا هو ما يساعدنا في هذه المرحلة الصعبة من تاريخ الوطن على إدراك أنه لا يوجد أمل، ولا ثمن نجنيه من وراء أفواه كممت، وعقول تم الحجر عليها من قبل أجهزتك، ودماء سفكت بأيدي سفاحي وزارة داخليتك.... داخليتك أنت فقط، ملكك أنت وحدك، تفعل بنا ما تشاء، ويتلذذون ويتفننون في أن يفعلوا هم ما يشاءون فينا بلا رقيب أو محاسب، ويبقون هم في النهاية، وحتى بعد أن أصبحت لنا الكلمة العليا، هم أسيادنا، ولا نجرؤ في يوم من الأيام على رفع عين أو حتى إصبع في وجه أصغر فرد فيهم، كفاهم الله "بواختنا"، وأعانهم علينا وعلى طلباتنا الحمقاء بحقنا في المعاملة بآدمية.

من لنا بعدك ليشعرنا باليأس في أن يصبح الحال في يوم من الأيام أفضل؟ ومن لنا في غيابك ليختار لنا أشخاصاً مسئولين عن سرقتنا وإهدار كرامتنا ليل نهار؟

يقولون أنك لم تنسانا وأنت ترحل عنَّا، فاخترت لنا شخوصاً معينين ليكملوا المسيرة من بعدك، حفظك الله وحفظ أموالك وأموال عائلتك الكريمة من كل شر، فهكذا اعتدنا منك دوماً، اعتدنا ألا تفوتك فائتة، ولا تخفى عنك خافية، ولا تتوانى أبداً في توفير سبل الضنك والمهانة لنا أينما كنت وفي أي موضع تواجدت.

ولكنني أعتب عليك يا سيادة "الرئيس السابق" في أنك تعاملت معنا برفق قبل رحيلك، فمثلنا لا يستحق كل هذا العطف من قبل سيادتكم، ثلاثمائة شهيد فقط؟ وألفان أو أكثر من الجرحى فقط؟ إما أنك قد اكتفيت بحصيلة قتلانا في عهدك الممتد لثلاثين عاماً واعتبرت أنها كافية، وإما أنك بالفعل كنت ضعيفاً، وحاشا لله أن تكون سيادتكم يا سيادة "الرئيس السابق" ضعيفاً...

فقد ملأت الدنيا علينا بحكمتك ومنطقك وقوتك وجبروتك وعظمتك وعظمة أجهزتك المسخرة بأمرك، عينت على حراسة أفواهنا وعقولنا جهاز أمن دولتك، وعينت على قلة راحتنا وامتهان كرامتنا جهاز شرطتك، وخسفت بعقولنا أسفل سافلين بأجهزة تعليمك، وبعت أراضينا وممتلكانا بوزارة إسكانك، وطورت محاصيلنا بوزارة زراعتك بما يجعلنا زبائن دائمين لدى وزارة صحتك، وعينت سماسرة على آبار غازك ونفطك، وأعلنت إعانتك لنا بوزارة تضامنك، وحافظت على آثارنا بوزارة سياحتك، وقدمت لنا فنا رفيعاً لا تشوبه شائبة كذب أو رياء أو تضليل بواسطة أبواق وزارة إعلامك، وأخذت منا ضرائب لإعلاء دولتك فرضتها وزارة ماليتك، ولم يبق حزب إلا حزبك، لك كل الشكر أنت وابنك..

كانت البلاد كما ترى يا سيادة "الرئيس السابق" هي لك، بكل ما فيها وما عليها لك، وكان يحق لك أن تفعل فيها ما تشاء وما تحب وترضى، وكان منا كل الرضا والشكر والثناء، فأنت مهما كنت، بطل حربنا المجيدة بدون منازع، فأنت حامينا ورافع رايتنا، أنت من جعل للمصري قيمة في جميع دول العالم التي سافر إليها ساعياً إلى تحسين ظروف معيشته، ليس لأن معيشته في دولتك صعبة حاشا لله، ولكنه الطمع، عافاك الله منه أنت وأسرتك، الطمع الذي يجعل الإنسان لا يقنع بما لديه، بل يبحث عما هو أكثر وأكثر، مما أوصلنا إلى ما نحن فيه الآن...

وصلنا إلى أنك غريب في بلدك، أو جزء من بلدك عمدت أن يكون تابعاً لها فقط من حيث أنه على أرضها، لكن في حقيقة الأمر، فهذا الجزء لا يتبع لبلدنا في شيء، ولعلك كنت تشعر أن يومأً مثل هذا سيأتي فأخذت احتياطاتك، وهو ما عهدناه منك دائماً، رجل حصيف وحكيم يحسب لكل خطوة ألف حساب.

كفاني رياءً ومحاباة، فأنا لست بباكٍ عليك ولا آسف، وإن شعرت بالوحشة فهي عقدة حنين زُرعت في روحي بسبب جثومك على صدري طوال عمري بلا مبالغة، فقد ولدت بعد جلوسك على عرش أم الدنيا بأربع سنوات، وحتى وقت قريب، لم آمل في حياتي أن يكون لي رئيساً إلا أنت، حتى جاء أناس مثلي..

كلا، ليسوا مثلي، بل هم أفضل وأفضل وأفضل...

كانوا في الشوارع يهتفون بسقوطك، وكنت أنا في منزلي أتأمل، نزلت معهم متأخراً جداً، لم أدفع ثمناً من دمائي، ولم أضرب بعصا أو بكف، ولكنني استنشقت غازاً سلطت به ظباط داخليتك على أبنائك، كدت أموت اختناقاً مرتين، خفت على حياتي أن تضيع، رأيت الموت بعيني مرتين، كادت حياتي أن تسلب مني لسبب لا اعتبار له لدى سيادتكم... بسبب حريتي وكرامتي

حريتي التي سلبت مني حين لم أقدر من قبل على الكلام خوفاً من أن تفتقدني أمي، وكرامتي التي انتهكها أمين شرطة في يوم من الأيام حين فتشني في الشارع أمام المارة من باب "الاشتباه"

أتحدث عن نفسي فقط، فإن فتحت الباب لكل من له شكوى فلن تسعفك صحتك يا أيها "الرئيس المخلوع" أن تقرأها كلها، ولعلك من الأساس لن تقرأ ما أكتبه الآن، فمن شب على شيء شاب عليه، وأنت عودتنا دائماً أنك لست بقارئ ولا مستمع، ولست بمهتم أو مبالي، وليس واجباً عليك أن تتابع وأن تتحرى، هكذا اعتدنا عليك، ومن هذا مللنا، ولأجل هذا صرخنا وسنظل صارخين، حتى ترحل أنت وذيولك من على أرض هذا الوطن العزيز، الوطن الأغلى من شخصك وحزبك وأجهزة أمنك وفلول بلطجيتك

هذا الوطن... اسمه مصر، وليس محمد حسني مبارك

Tuesday, September 22, 2009

عم محمد

في الواقع أن ما حدث في تلك الليلة لا يمت للواقع بأي صلة, هل كان حلماً؟ لا أدري, هل كانت حقيقة؟ لم أسمع بعد عن تلك الحقيقة التي تصل إلى هذا الحد من الخيال واللامعقول.

لا يهمني الآن ماهية ما حدث, بل أود فقط أن أحكيها, ربما مر أحدهم بما مررت به ويكون لديه تفسير لما رأيته.

كانت الدنيا ليلاً, هذا ما أحسست به, ولكن بالرغم من ذلك كانت الشمس مشرقة أو في طريقها إلى الشروق, أو ربما كانت تغرب, لا أعرف تحديداً, فقط أعرف أنني كنت أحسه ليلاً, وكنت أمشي في طريق مزدحم لا أعرفه, أشبه بالسوق, ولكنه هادئ, بالرغم من كثرة الناس من حولي, لا أعلم لم أنا هنا, ولكنني أمضي إلى بقعة رأيتها خالية منهم, وحين أصل, أجد عربة كارو بدون حمار, ولا عربجي, وبجوارها جوال من الخيش.

لا أدري ما دفعني لتفحص ما بهذا الجوال, ولكنني جلست على ركبتي, ومددت يدي, وشعرت ببرودة غريبة نابعة من الجوال المبلل بالماء, وكأن واضعه أراد ترطيب ما بداخله, لا أدري إن كان هذا ضرورياً, فأنا لا أعلم إن كان الجو حاراً أم بارداً.


مددت يدي إلى الجوال لأرى ما فيه, لأجد بداخله شخص ما, رجل عجوز أحسست بأنني أعرفه , دققت النظر في ملامحه حتى تذكرته, إنه "عم محمد"....

لا أدري من هو "عم محمد" ولكنني عرفته, وكنت أظن أنني أعرفه منذ فترة طويلة, فقمت بحمله وهو داخل جوال الخيش المبلل, لا أدري إلى أين, إحساس بلزوم إعادته إلى أهله امتلكني وقتها, بالرغم من أنني لا أعرف من هم ولا أين أجدهم, ولكنها كانت مسؤولية وضعت على عاتقي وقتها, ولن أترك "عم محمد" حتى يعود إلى منزله.


ولكن أين هو منزله؟


وجدتني أسير بلا هدي في الشوارع, أحمل "عم محمد" على ذراعي كطفل صغير, كان هادئاً وصامتاً, حاولت محادثته كثيراً ولكنه كان لا يرد, كان غارقاً في نوم عميق أو غيبوبة طويلة, ولم يكن هذا ليضايقني, فالرجل بلغ من الكبر ما يشفع له, ولكن ما ضايقني فعلاً هو ما كان يحدث لـ"عم محمد".

حين وجدته في السوق كان على جسده العديد من البقع البنية التي تجدها عند الكثير من كبار السن, وهو ما وجدته طبيعياً, واظنني كنت أراه على هذه الهيئة سابقاً, فقط لا أتذكر أين كنت أراه من الأساس.

ولكن ما رأيته غريباً هو أن هذه البقع يزداد حجمها بإستمرار وتكبر لتغطي مساحات كبيرة من جسده, أو لعل جسده هو الذي يتقلص؟

حين أخدت "عم محمد" للمرة الأولى بين ذراعي, كان ضئيلاً في الحجم فعلاً, ولكن بالتقريب كان طوله بطول نصفي الأعلى, أما الآن.. فأشعر أن جسده يتقلص وينكمش, وبدأت عظامه في البروز والنتوء, وكأنه أصيب بحالة جفاف مفاجئة, ربما بسبب هذا السوائل الكثيرة التي تغطي جلده, كانت في البداية ذات ملمس رطب وبارد, كعرق ليلة صيف تلطفه نسمات خفيفة من الهواء, أما الآن, فقد إزدادت لزوجتها وزاد معدل إفرازها.


ما الذي يحدث لـ"عم محمد"؟ ولم بدأ شكله بالتغير تدريجياً إلى هيئة غير بشرية؟ كنت أسائل نفسي بهذه الأسئلة, حين دخلت النفق, نفق كبير وعظيم, به رصيف أشبه بمحطة القطار, ولكنه أكبر من أي محطة قطارات شهدتها من قبل, به رصيفين, ولكن لا توجد أي خطوط للقطارات, وجدت نفسي بأعلى السلم الكهربائي الذي يوصل لأسفل المحطة, والغريب, أنني كنت أهبط من سقف المحطة, لم أدخل من أي بوابة, فجأة وجدت نفسي على أول السلم, “عم محمد" معلق بكتفي كقطة مذعورة, أكاد أحس بمخالبه تنغرس في كتفي رعباً كلما نزلت على السلم, ولكن لم يكن ذلك ليضايقني, أليس ذلك بغريب؟

لم يكن أي مما يحدث لـ"عم محمد" يضايقني, لا البقع البنية التي تنتشر, ولا جسده الذي يتقلص, ولا جسده الذي أصبح لزجاً, ولا مخالبه التي تنغرس في لحمي ولا حتى تلك الأصوات الغريبة التي بدأ يصدرها, لم أسمعها من قبل, لذا لا أستطيع أن أصفها, كل ما أعرفه أنه لو كنت في ظروف عادية, لكانت قتلتني رعباً, ولكنها ما دامت تصدر من عم محمد, فهي لا تعني شيئاً.

فجأة وجدتني أركض بكل ما أوتيت من قوة, أهرب من صول الجيش الغاضب الذي يطارد المجندين في هذا المكان الذي يشبه محطة القطارات, كنت أخاف على "عم محمد" من ركضي, ولكنني لم أحس به أبداً, كأنه اختفى ولم يعد له أثر, وحين أردت القفز من فوق ماكينة التذاكر -مرة أخرى, ليست بمحطة قطارات- أمسكني الصول الغاضب, مع العديد الآخرين, ووجدنا أنفسنا مصطفين في خنوع وهو يقوم بتقريعنا على استهتارنا, واختصني بالذات لأنه وجدت قميصي بلا أزرار تماماً ومفتوح بشكل وجده هو غير لائق بالجيش, وما يهمني؟؟؟ أنا لست في الجيش, لم ركضت في البداية؟ ولم يوبخني هو؟

10 شارع ألاسكا....

وجدتها تدوي في أرجاء عقلي, لم أسمع عن هذا الشارع من قبل, ولا أدري ما هو هذا العنوان, هل هو "عم محمد"؟ يحاول أن يخبرني إلى أين أذهب؟

لا أدري, ولكنني رأيت أن الذهاب إلى هذا العنوان هو خير ما يمكن أن أفعله تلك الليلة, بدلاً من التجول في الشوارع على غير هدى, وسرت في الشوارع أستدل على "10 شارع ألاسكا" من المارة, وكانوا يجيبونني بشكل عادي, وكأن "عم محمد" الملقى على كتفي ليس بالشيء الغريب, هل يعقل أنا أكون أنا الشخص الوحيد الذي يراه؟

ليست تلك المشكلة الآن, المهم أنني وصلت إلى شارع ألاسكا بالنهاية, سأصف لكم الشارع...

في الحقيقة, هو ليس بشارع, بل هو عبارة عن مربع كبير, على جوانبه الأربعة توجد بيوت كثيرة, متراصة فوق بعضها البعض, لا تدري إن كان هذا المكان راقياً أم فقيراً, له مدخلين, أحدهما هو الشارع الذي دخلت منه والآخر هو عبارة عن طريق منحدر, ذا بوابة معدنية أنيقة, تبدو كأنها مدخل لحديقة, أو لعلها بالفعل حديقة؟


لم أهتم كثيراً بسؤال طرأ على ذهني... إذا هطلت أمطار غزيرة, ألن يتحول هذا المكان إلى بركة كبيرة؟ كيف يعيش هؤلاء الناس هنا؟

بدأت أطرق البيوت, بحثاً عن منزل "عم محمد" وبداخل كل بيت, كنت أرى عائلات كثيرة الأفراد, يعيشون في حالة مزرية, ولكن كلهم لم يهمهم "عم محمد" ولم ينفعني أي منهم في الإستدلال على أهله, حتى عدت مرة أخرى إلى مركز المربع الكبير, على رصيف وضع في المنتصف كأنه ميدان, أنظر حولي في رجاء, منبهر بالطريق المنحدر ذا البوابة الأنيقة, وأحسست ببرودة تمشي على صدري, وتنتقل إلى بطني, وتجول في أنحاء جسدي, إنه "عم محمد" تحرك أخيراً ولكن إلى أين؟ يبدو أنه يريد الوصول إلى أحشائي, أهذا هو جزائي؟

لم أستطع المقاومة, ولم أحاولها, كنت عاجزاً بكل ما تعنيه هذه الكلمة من ضعف, وهو يحاول ويحاول اختراق جسدي....

لا أدري إن كان قد نجح في ما أراد أم لا, فأنا أقص عليكم ما حدث من ذاكرة ضبابية مشوشة, حتى أنني لا أتذكر شكل "عم محمد" في النهاية, كيف كان, ولا في البداية, كيف وجدته, كل ما أتذكره أنه كان موجوداً, وما زال, ولكنني لا أعرف أين, لعله هو من يكتب هذه الكلمات عن طريقي, ولعله مات بداخلي, لا أدري, هل كان حلماً؟ ربما, هل كان واقعاً؟ قلت لكم في البداية, لا أظن أن هناك واقعاً به ما بهذه الحكاية من خيال.


Monday, July 6, 2009

وما الدنيا إلا....


بعد تفكير عميق وحصر للوقائع والإحداثيات, إكتشفت الآتي:

الدنيا دي عبارة عن بتاعة كبيرة قوي, مليانة حاجات صغيرة كتيرة قوي برضه

الحاجات دي بقى بتعمل إيه؟ انت تسألني, وأنا أجاوبك على طول, أمال إيه, أنا أصلي بحب أخدم, ولو احتجتني في أي حاجة أنا تحت أمرك, ابعتلي بس وأنا هبقى أديلك رقم الموبايل وبتاع, المهم, نرجع لمرجوعنا

الحاجات الصغيرة الكتيرة قوي دي بقى بتعمل إيه؟ بتعمل حاجات كتيرة قوي برضه, بس مش كلها صغيرة, ومش كلها كبيرة برضه, بتختلف من حاجة لحاجة يعني, يعني ممكن حاجة صغيرة تعمل حاجة كبيرة قوي تأثر على حاجات تانية ممكن ما يكونش ليها علاقة بالحاجة اللي عملت الحاجة الكبيرة قوي دي.

وممكن حاجة كبيرة قوي تعمل حاجة صغيرة قوي أو ما تعملش حاجة خالص, يعني لا بتفيد نفسها ولا بتفيد الحاجات التانية, وساعات بتيجي بنتايج مش حلوة تأذي الحاجات اللي حواليها واللي حوالين اللي حواليها.

فاللي احنا المفروض نعمله إيه بقى؟ أنا عايزك تسألني برضه, ما أنا زي ما قلتلك بحب أخدم وبتاع, وبرضه رقم الموبايل موجود لو عايز, انت بس اطلبه, إكمني يعني ما بحبش أفرض نفسي على حد, ما أنا كان ممكن أرميه هنا وأخلص, بس أنا برضه عندي حبة ذوق.

نرجع لمرجوعنا, المفروض نعمل إيه؟

للأمانة الصراحة يعني أنا ما أعرفش, بس أنا بيوهيألي كدة إن الموضوع ده كبير قوي قد البتاعة الكبيرة اللي احنا عايشين فيها دي, وما ينفعش نبص للموضوع من وجهة نظر حاجة واحدة بس, عشان كدة الموضوع هيبقى فيه قصور, والقصور غير مطلوب في مثل هذه الحالات الصعبة والحرجة من التاريخ.

لذا, فأنا من موقعي هذا أستمحيكم عذراً في عدم تقديم أي حلول, يعني إذا كانت الحاجات الكبيرة ما عرفتش تحلها, أنا يعني اللي فتك وناصح قوي وهحلها؟ أنا يا دوب حتة حاجة ولا بتاعة صغننة خلاص قد الفسفوسة, بس بكرة أكبر وأبقى حلو كدة وقوي وأمور, استنوني ساعتها بقى عشان أوعدكم إني مش هعمل أي حاجة خالص في أي حتة.

ودمتم

Saturday, May 30, 2009

قوى الشعب الثائر

تنبيه هام:

السطور القادمة قد تحتوى على أفكار تصطدم مع قارئيها بقوة, لذا وجب التنويه

أنا عايز أتكلم عن شعب مصر العظيم, الشعب المكافح, الفقير, الضحوك, الصابر, المبتلى منذ الأزل, صاحب الدم الخفيف, والأكتر طيبة وسذاجة على مستوى العالم وعلى مر العصور

ماله الشعب ده بقى؟

أنا وصفته باللي أنا شايفه فيه, بس فيه ناس تانية بتحب تديله وصف تاني, الوصف ده بصراحة بيستفزني, لإني مش شايفه ومش حاسس بيه, مش لاقي حاجة واحدة بتحصل بتدل على إنه بيتمتع بالصفة النادرة دي.



الصفة دي هي الثورية, قال إيه.. الشعب المصري شعب ثوري



بأمارة إيه إن شاء الله؟

واللي بيتكلموا عن "ثورجية" الشعب المصري, شافوها فين وامتى وازاي؟؟



الناس متوقعة ثورة تحصل قريب, بسبب الظروف اللي الناس بتمر بيها, بس أنا بقول إن حتى لو الثورة دي حصلت, مش هتطلع من الشعب, صحيح الشعب هيشجعها, ويمشي معاها ويساندها, بس مش هتطلع من الجماهير, هتطلع من ناس واصلة في الجماهير, بإيديها إنها تغير, قيادات هتقوم بالخطوة الأولى ... ويمكن خطوات تانية كتير بعدها كمان, وبعدها الشعب هيكتشف انهم موجودين ويمشوا معاهم (مع الرايجة) ويعلوهم ويوصلهوم للي هم عايزينه, وبعد كدة؟؟

هيسيبوهم يتصرفوا زي ما هم عايزين بإعتبارهم ناس ثقة وجدعان وهم اللي عملوا الثورة.

مش كان فيه حاجة حصلت قبل كدة بالنظام ده؟؟

استنوا افتكر كدة...

أه, اللي بيسموها دي ثورة يوليو المجيدة


أنا رأيي (وده رأي شخصي لا يعبر عن أي اتجاهات سياسية) إن دي لا ثورة ولا يحزنون, دي بكل بساطة وزي ما الناس كلها عارفة (وكدبوني لو عايزين) مجموعة من ظباط الجيش, معترضين على الحالة اللي هم فيها, قالوا يعملوا "حركة" عشان يخلوا الملك يبصلهم, الحركة كبرت ووسعت, ومع إنها ما كانتش على مقاسهم, إلا إنهم بمهارة شديدة يحسدهم عليها أي ترزي "قيفوها" وظبطوها وعملوها ثورة.


وبما إن الشعب الجميل بتاعنا.... "جميل" مشي معاهم ووافقهم ومشي وراهم عشان يطردوا الملك "السكري بتاع النسوان والقمرتي الوحش الكخة" وحطوهم مكانه.

ييجوا يقولوا ثورة شعبية, لأ, لا شعبية ولا يحزنون, ده ببساطة حركة عسكرية قلبت بإنقلاب, والإنقلاب قلب بثورة خلت الملك يمشي وجابوا ملوك تانيين "ميري", وعشان الناس تحس إن فيه حاجة اختلفت, سموا نفسهم "رؤساء جمهورية", وبدل ما التوريث يبقى لأفراد العائلة, بقت للي يعرف يوصل من "الظباط" للكرسي, (محدش لاحظ إن كلهم لحد دلوقتي عسكريين؟).
المصيبة بقى في إيه؟؟
لو اللي مسك الرئاسة ده واحد بيفهم وبتاع ربنا و"ديموقراطي" فعلاً, ما كانش بقى فيه مشكلة, إنما الناس دول زي ما قلت "عسكريين" اتعودوا على الأوامر اللي بتتنفذ بمجرد ما تطلع من بقهم اللي ما بينطقش غير كل حاجة حلوة (الحاجات الحادقة لأ). فصعب عليهم يقبلوا مناقشة أو مراجعة في رأي.

بس دي مش مشكلتي, الناس دي خلاص أنا فقدت الأمل فيهم, أنا عيني على الناس اللي الكل حاطط عليهم الأمل...
الشعب

عايزين الصراحة, أنا برضه فاقد الأمل في الشعب, هتسألوني ليه؟
هقولكم ليه, تعالوا كدة نشوف الشعب عمل إيه في الفترات اللي الحياة كانت فيها ضنك وفقر وهبدأ من بدري قوي, من أيام الهكسوس

أيوة , الهكسوس, اللي احتلوا مصر وطردوا الفراعنة اللي كانوا فيها, والشعب واقف يتفرج, وفضل فترة طويلة ما بيتحركش, لحد ما جه أحمس وخرج بيهم وعمل ثورة, الهدف منها إعادة الفراعنة للحكم, مش تحسين أوضاع الشعب, يعني الثورة جت من ملك علشان الملكية تستمر.

ثورة 1919, قام بيها الشعب عشان فرد "سعد زغلول", قبل نفيه ما حدش اعترض على اللي بيحصل وكانوا مسلمينها للي فوق هم يتصرفوا, وراضيين بالهم والإحتلال, بس لما اتقبض على سعد واتنفى, الدنيا قامت وما قعدتش, ليه؟
عشان الشعب ما كانش عنده البديل عنه, "اتعودوا" عليه وعلى إنه هو اللي بيتكلم عنهم وما تخيلوش انهم ممكن يعملوا حاجة من غيره.

ثورة عرابي, دي ثورة عسكرية برضه, عرابي قام بيها عشان يحسن أوضاع الجيش, وفشلت, عشان كانت من الجيش للجيش, محدش دخل فيها غيرهم.

فيه ثورات تانية؟ ما اظنش, آخرها كان ثورة يوليو "المجيدة" اللي قارفيننا بيها من أكتر من 50 سنة ولحد دولقتي عايشين على حسها وبيتناقشوا في اللي عملته واللي ما عملتوش.

إنسوا يا ناس, 50 سنة دول كتير قوي, فيه حاجات كتير اتغيرت واتبدلت, الدنيا ما بقتش هي الدنيا, هيهمنا في إيه عبد الناصر "كان" بيعمل إيه, ولا السادات "عمل" إيه, اللي يهمنا دلوقتي "إحنا", الناس اللي شبه عايشة دلوقتي ويا ريت عارفين يعيشوا صح.

تقدروا تقولولي بقى إزاي ممكن شعب مطحون زي شعبنا يقوم بثورة؟
إزاي يثور وهو كل ما يتضرب يقول معلش, بكرة ربك هيعدلها؟
وكل ما يموت له واحد محروق أو غرقان أو مخبوط أو مضروب برصاصة ميري يقول منهم لله؟
إزاي هيثور وهو اتعود طول عمره يدعي وبس, من غير ما يعمل اللي يقوي دعائه؟

إزاي يثور وهو ما بيعرفش؟

قال ثوري قال...

مع الإحترام للشعب العظيم

Tuesday, May 12, 2009

وحيد عصره

كنت أظن أن زمن "العلّامة" قد إنتهى, والعلّامة لمن لا يعرف هو ذلك الشخص العالم, المتوسع في علومه, المتمكن منها, أو ما يطلق عليه بالعامية "كشكول", تسأله في أي مجال تجد عنده الإجابة الوافية, ولن تحتاج إلى المراجعة أو البحث والتقصي عن صحة إجاباته, فهي بالتأكيد صحيحة لا يشوبها الخطأ.

والتاريخ – انتبه لكلمة "التاريخ"- ملئ بأمثال هؤلاء, يكفي أن تراجع تاريخ العلوم لترى الكثير والكثير من الشخصيات ممن تمكنوا من علوم الطب والفلك والهندسة والفيزياء والكيمياء واللغة والرياضيات وغيرها الكثير تمكناً تاماً كاملاً والأسماء كثيرة لا يتسع المجال لحصرها هنا.

ولكن أن ترى في زمننا هذا مثل هذا العلّامة, فهو ما أجده غريباً فريداً وباعثاً على الدهش والضحك في آن, فاسمحوا لي أن أحدثكم عن علّامة هذا الزمان, وحيد العصر والأوان, صاحب الخبرات ودائرة معارف الأمور الحياتية المتنقلة... "جوز خالتي".

ومن باب التوضيح, ومراعاة للدقة والصدق, فعلّامتنا ليس من النمط القديم, فهو ليس له في الطور ولا في الطحين, ليس له في علم اللغة, ولا علم الرياضيات, ولا علم الكيمياء, ولا علم الفيزياء ولا علمي علوم ولا حتى حتى علمي علمك, كل شهاداته العلمية تنحصر في أنه "شاف كتير" ولف ودار وأدى الخدمة العسكرية وأتى بما لم تستطعه الأوائل والأوربت والشوتايم مجتمعين.

له من الصفات ما يضعك دوماً في حالة الشك من معلوماتك, فهو حين يتحدث, يحدثك حديث العارف والعالم ببواطن الأمور والخبايا والأسرار, ولك مني الضمان بأنك لن تسمع منه يوماً كلمة "لا أعرف" فهي لم ولن ترد في قاموسه, وهو حين يتحدث أيضاً يندر المتحدثين من بعده, فليس بعد كلامه كلام, ليس لدقته وروعته وكماله, ولكن لأن حديثه لا ينتهي إلا حين يصيبه هو الكلل والملل, وقلما حدث ذلك قبل أن تصبح قدرة الآخرين على الإستماع لأي جديد منعدمة.

ولـ"جوز خالتي" طريقة غريبة في بدء المواضيع, فهو يفتتح الكلام بلفت نظرك إلى أنك مغفل –أو غافل اختر أيهما أسلم لكرامتك- ولا تدري ما تتحدث عنه, وللتدليل على غفلتك يتسلح بكل ما لديه من ذكريات, مقلباً في دفاتر الماضي وكتبه ما يعزز به وجهة نظره في أنك "ما تعرفش حاجة", ويسوق في سبيل ذلك الحكايا والأمثلة التي لا مرجع لها إلا هو فقط, ولربما استجدى بعض التأييد من خالتي نفسها حين تجده فجأة يلتفت إليها سائلاً "مش كدة برضه؟ فاكرة؟" وبالطبع لا ينتظر الإجابة, وتجد خالتي نفسها مؤيدة له بلا داعي, محدثة نفسها بعبارات تنم عن الحرج, ضاحكة في وجوه ناظريها راجية إياهم أن يصبروا على زوجها الذي يسترسل في الحديث, ولكأنه يؤكد مصداقية حكاياه, تجده يتحدث عن شخصيات شاركته صناعة الحدث, لا تعلمها, ولا أظنه هو يعلمها, وأعجب من تلك الذاكرة الحديدية التي تحتفظ بأسماء هؤلاء الأشخاص الثلاثية, ولربما جاء أحد الأسماء مذكراً له بحدث معين, فيقطع ما كان فيه مسترسلاً فاتحاً سيرة أخرى وموضوعاً آخر.

أذكر أنه جاء اجتماع للعائلة في يوم شم النسيم, وجاء الإجتماع على المائدة على سرب صغير من أسماك الرنجة المدخنة, ولا أدري ما دفع بالحوار إلى ناحية البطارخ وعلاقتها بالكافيار... ومداعبة منه... قام أحدهم بنكش "جوز خالتي" سائلاً إياه عن الكافيار وما استجد على أحواله, وللعجب, وللعجب العجاب, وجدناه منطلقاً في الحديث وصائلاً وجائلاً فيما هو بالنسبة إلينا غير معلوم, وأظنه سابقنا جميعاً إلى الجهل به أيضاً.

ويحدثك عن الأحذية فيقول "أصلك إنت مش واخد بالك, الكوتشيات الجديدة دي كلها مضروبة, فين أيام زمان لما كان الكوتشي يقعد بالسنة والسنتين في رجلك كأنه جديد, طب تصدق بإيه؟ أنا عندي كوتشي من أيام الجامعة – اقترب عمره من الخمسين شتاءً- لحد دلوقتي وكنت شاريه بخمسة جنيه, انتوا فاكرين نفسكوا بتعرفوا تشتروا كوتشيات؟ إحنا كنا ننزل أنا وإبراهيم عبد الله, والله يرحمه سعيد محمود, وأحمد حسنين – يعلم الله من هؤلاء- نروح بورسعيد, نقعد نلف ونروح ونيجي- ثم متجهاً إلى خالتي بالتفاتة غير كاملة, لا تحيل وجهه عن محدثه وبالتالي لا يستطيع رؤية خالتي- فاكرة يا ماما؟ لما كنا بنروح مع سعيد الله يرحمه -ثم ملتفتاً إلينا مرة أخرى- أصل بورسعيد زمان كانت غير دلوقتي, كانت حاجة تانية, كانت كل حاجة موجودة, وبرخص التراب, كنا نشتري الجزمة الريدوينج بعشرة جنيه, شوف انت دلوقتي بقى تبقى عاملة كام, وكنت تنزل بيها مصر الناس تقعد تتفرج وتقول جايبها منين وازاي وبكام" وبالطبع لا نملك أمامه إلا السكوت, فلم نكن من خبراء الريدوينج.

أخبرني أحد الثقات في عائلتنا, بعد أن تطرق بنا الحديث إلى سيرة "جوز خالتي" أنه يشاركني نفس الشعور بالنفور منه, ولكنه بحكم الوضع العائلي, مجبر على الاختلاط به, فهو الشر الذي لابد منه في عائلتنا وإن قام بالتحايل على ذلك الشر بأن صار يطلق له العنان في جلساتهم, بدون مقاطعة أو نقاش, وهو ما يستلذ له "جوز خالتي" بشدة فمن موضوع إلى آخر, لن يتوقف هذا الرجل عن الكلام, وهو ما أدركه مخالطوه, فأصبحوا حين يتملكهم الملل وتنتهي محادثاتهم – في بعض الحالات النادرة التي يتحدثون فيها فعلاً- يطلقون لسانه في أي ناحية يريدون, وإن أدركوا أن الموضوع الأهم الذي به يضمنون جلسة خالية من الصمت هو حين يذكرون بشكل خفي وخبيث ما يقوم به في عمله, فقط حين يتطرقون إلى هذا الموضوع يسود الصمت إلا من طرف صاحبنا, حين يقوم بالحكي والإخبار عما يقوم به في وظيفته المهولة, ومهامه العظيمة التي تنوء بحملها الجبال, ومع أن نشاط أعماله موسمي, إلا أنه أصبح بقدرة العلي القدير, دائم طوال العام, لا يكاد صاحبنا بسببه يجد طعماً للراحة, وإن كنت أظن أن سبب إجهاده الدائم هو ما يبذله من طاقة للحفاظ على سيارته المتهالكة التي تعاقبت عليها السنون مع صاحبنا ولم يفكر يوماً في تغييرها أو التخلص منها برغم ما تريه تلك الماكينة من شتى صنوف وأنواع العذاب, وإن كنا في عصر يقال أن المعجزات فيه قد انتهت, إلا أن "جوز خالتي" وعربته قد أثبتا أنه ما زالت هناك معجزة واحدة, وهي قدرة هذه الأعجوبة المتهالكة على السفر لمسافات تتعدى المائتي كيلو متر لعدة مرات في العام بلا مشاكل إلى الآن.

والجدير بالذكر أن هذه السيارة المتهالكة هي إرث قديم من والده, ويعتبر هو "أول مالك" لها, وأظنه من المفهوم والبديهي أنه حين يبدأ الكلام في الميكانيكا, تتحول جميع السيارات بالقدرة الإلهية إلى ألعاب أطفال قام صاحبنا بفكها وتركيبها العديد والعديد من المرات, وبكلام مفعم بالثقة تجد لديه الحل المكين والمتين لأي عطل لديك.

ومن قدرته الفائقة على تركيب السيفونات وإصلاح البوتاجازات, إلى ظبط أطباق الإستقبال وإصلاح أعطال الكهرباء انتهاءً بذبح العجول والخرفان , رأيت نفسي أُذهل بشكل دائم لما لهذا الرجل من إمكانات وقدرات قلَّما وجدت في شخص واحد, وإن كان بعضها صحيحاً, إلا أن لهجة الواثق والعالم بغير علم تجعلني أنفر من أي اجتماع يضمنا منفردين أو في جماعة, فهو فوق طاقتي واحتمالي, وإن كنت أجد في ذلك صعوبة حتى لا أغضب مني الأقارب والأحباب, فهو في النهاية... "جوز خالتي"