بعد فترة إنقطاع طويلة عن قراءة ما هو جديد في ساحة الأدب والرواية, سعدت مؤخراً بإقتناء إحدى نسخ الطبعة الرابعة من رواية "يوسف زيدان" والمعنونة بـ "عزازيل"..
للصراحة, ما جذبني نحو الرواية هي الضجة التي أثيرت حولها, وثورة الكنيسة القبطية على كاتبها, فرغبت في معرفة أسباب الثورة, كما أن عنوان الرواية أثار شغفي, فأنا دوماً ما تستهويني الأسماء الغريبة, ولم يدر بخاطري قط أن يكون هذا الإسم هو أحد ألقاب الكائن الذي تعددت أسمائه في العديد من الثقافات والحضارات, وإن اتفقن جميعاً على المسمى, ألا وهو "إبليس".
أقول استمعت بقراءة الرواية, فبجانب الأسلوب الأدبي الجميل, توضحت لي العديد من الحقائق المبهمة, التي كانت لي دوماً محل شك في الأساطير التي قيلت وما زالت متداولة حول الدموية والبربرية التي تميز أصحاب المصالح المدعين للتدين في جميع الأديان عموماً, ولا أتكلم هنا عن المسيحية فقط.
قام يوسف زيدان بعرض وقائع الحياة القلقة التي عاشتها دول الشرق في هذه الفترة المشؤومة من حياة البشرية, حيث كان صوت العقل أضعف من أن يسمع, وأحقر من أن يعتد به, وأنجس من أن يتقبله رجال الديانة الجديدة كمادة للنقاش الطاهر, فانطلقت أياديهم في طول البلاد وعرضها فساداً وتدميراً.
عرض "يوسف زيدان" أهم حوادث المنطقة في هذه الفترة من خلال شخصيته الخيالية "الراهب هيبا", المصري الأصل, ورحلته القلقة ما بين الأرض والسماء, والتي طاف فيها بالعديد من المناطق, وشهد بعينيه العديد من الحوادث التي جعلته دوماً في حيرة, أين الحقيقة في هذا العالم؟ أهي في الإيمان المطلق وما يستلزمه من اجتهادات وعذابات لكبح جماح رغباته المحرمة (بنظر الدين), أم التمتع بمباهج الدنيا التي خلقت له؟
إختيار الكاتب لجنسية "الراهب هيبا" كان لها أكبر الأثر في مصداقية الرواية, ولكن أولاً لنتفق على أن شخصية "هيبا" هي شخصية خيالية , وهو ما ألمح إليه الكاتب بدهاء في مقدمة الرواية, مع التأكيد بأن الأحداث حقيقية وما دور "هيبا" إلا الراوي لها.
لذلك كان أصل "هيبا" المصري, من أقصى الصعيد, حيث كانت مراكز العبادات الوثنية القديمة, وحيث شهد هو بنفسه التحول من الوثنية إلى المسيحية, وكيف تضرر هو شخصياً منها, وكيف أثرت الحوادث التي شهدها بنفسه في صغره على حياته مستقبلاً.
فخلال رحلته من صعيد مصر إلى الأسكندرية, وفي المحطات المتعددة التي توقف فيها للدراسة والإقامة,كان يستعرض التغيرات التي حدثت في الفكر المصري بعد دخول الديانة الجديدة -نسبياً- وكيف تفاعل معها الأهالي, ولعله أراد باستعراض هذه الحوادث البرهنة على أن الشعب المصري منذ القدم, متحمس دوماً لكل ما هو جديد, وأنه على استعداد لفعل أي شيئ في سبيل ما يؤمن به مسيريهم -زعمائهم- إذا أمروهم.
عندما وصل إلى الأسكندرية, كان هدفه هو طلب العلم من المدينة العظمى حينها, ولكنه صدم حين وجدها خراباً, تنعق في جوانبها غربان الجهل وأعداء التمدن بإسم الرب, ممثلة في أساقفها الدمويين, وشهد بنفسه إغتيال الفكر مجسداً في امرأة كان يكن لها كل المحبة والإجلال, فقط لأنها كانت تفكر.
وفي الأسكندرية, بدأت أيضاً صراعاته مع نفسه, حين أغوته الوثنية وعاش معها أياماً متمتعاً بكل ملذات الحياة, ولم تواته الشجاعة أن يخبرها بحقيقته لفترة, وكان من نصيبه الطرد والإذلال حين فعلها.
الرواية طويلة, وستعجز كلماتي عن الإحاطة بجميع نواحيها, وليس الهدف من كتابتي هذه عرض أحداثها, بل عرض ما استشففته منها وأدركته حين انتهيت من صفحاتها الممتعة.
الدين, أي دين, من الممكن وبسهوله أن يتحول لأداة حرب لا أداة سلام, طالما وجد من يستطيع تحريفه وطالما وجد من يؤمن به.
أقول هنا الإيمان به, وليس الإقتناع به, فحين قالها "هيبا" فقد صدق, "فلا علاقة للإيمان بالعقل, فحين ينطلق العقل في بحور الدين, يتحول حينها إلى فلسفة وفكر", وهو بالقطع مالا يريده المتربحون بالدين.
نازعتني العديد من الخواطر أثناء تجوالي في بحور الرواية, ولعل أكثرها تأثيراً كان بخصوص "عزازيل" نفسه.
فعزازيل في هذا النص ليس كياناً مستقلاً يوسوس لك كما اعتدت وآمنت منذ صغرك, بل هو أنت, أو بالأحرى, الجزء الآخر منك الذي يحرضك دوماً على الإنطلاق.
في وسط الحوارات العديدة التي دارت بين "هيبا" و"عزازيل" كان الآخير دائماً ما يصحح لـ"هيبا" فكرته الخاطئة عن أنه لا يتركه وشأنه, فهو -والكلام لعزازيل- موجود دائماً, وهو وإن ظهر, فهو يظهر لأن "هيبا" هو الذي يريد ذلك.
أجدني ميالاً بشدة إلى هذا التفسير للشيطان, بعيداً عن الوهم القائل بأنه كيان آخر يعيث فساداً بيننا ويحرضنا أبداً على ما ندعوه بالمحرمات, فلا أظن أن أي كائن مهما كان له هذه القدرة العجيبة على التواجد في كل مكان وزمان لإغواء البشرية أجمع.
عزازيل هو الجموح بداخلنا, هو رغبتنا الدائمة لفعل مالا يريدنا الآخرين فعله, هو رغباتنا المكبوتة التي ترغب في التحرر كلما سنحت لها الفرصة, هو أيضاً الأداة التي نستطيع بها تعذيب ذواتنا.
عزازيل هو نحن, ونحن عزازيل, يعيش فينا وهو جزء دائم من وجودنا, وإن كنا قد اخترعنا له كياناً, فهو لتعليق أخطائنا على غيرنا, وهي طبيعة بشرية قلما وجد من استطاع التخلص منها
للصراحة, ما جذبني نحو الرواية هي الضجة التي أثيرت حولها, وثورة الكنيسة القبطية على كاتبها, فرغبت في معرفة أسباب الثورة, كما أن عنوان الرواية أثار شغفي, فأنا دوماً ما تستهويني الأسماء الغريبة, ولم يدر بخاطري قط أن يكون هذا الإسم هو أحد ألقاب الكائن الذي تعددت أسمائه في العديد من الثقافات والحضارات, وإن اتفقن جميعاً على المسمى, ألا وهو "إبليس".
أقول استمعت بقراءة الرواية, فبجانب الأسلوب الأدبي الجميل, توضحت لي العديد من الحقائق المبهمة, التي كانت لي دوماً محل شك في الأساطير التي قيلت وما زالت متداولة حول الدموية والبربرية التي تميز أصحاب المصالح المدعين للتدين في جميع الأديان عموماً, ولا أتكلم هنا عن المسيحية فقط.
قام يوسف زيدان بعرض وقائع الحياة القلقة التي عاشتها دول الشرق في هذه الفترة المشؤومة من حياة البشرية, حيث كان صوت العقل أضعف من أن يسمع, وأحقر من أن يعتد به, وأنجس من أن يتقبله رجال الديانة الجديدة كمادة للنقاش الطاهر, فانطلقت أياديهم في طول البلاد وعرضها فساداً وتدميراً.
عرض "يوسف زيدان" أهم حوادث المنطقة في هذه الفترة من خلال شخصيته الخيالية "الراهب هيبا", المصري الأصل, ورحلته القلقة ما بين الأرض والسماء, والتي طاف فيها بالعديد من المناطق, وشهد بعينيه العديد من الحوادث التي جعلته دوماً في حيرة, أين الحقيقة في هذا العالم؟ أهي في الإيمان المطلق وما يستلزمه من اجتهادات وعذابات لكبح جماح رغباته المحرمة (بنظر الدين), أم التمتع بمباهج الدنيا التي خلقت له؟
إختيار الكاتب لجنسية "الراهب هيبا" كان لها أكبر الأثر في مصداقية الرواية, ولكن أولاً لنتفق على أن شخصية "هيبا" هي شخصية خيالية , وهو ما ألمح إليه الكاتب بدهاء في مقدمة الرواية, مع التأكيد بأن الأحداث حقيقية وما دور "هيبا" إلا الراوي لها.
لذلك كان أصل "هيبا" المصري, من أقصى الصعيد, حيث كانت مراكز العبادات الوثنية القديمة, وحيث شهد هو بنفسه التحول من الوثنية إلى المسيحية, وكيف تضرر هو شخصياً منها, وكيف أثرت الحوادث التي شهدها بنفسه في صغره على حياته مستقبلاً.
فخلال رحلته من صعيد مصر إلى الأسكندرية, وفي المحطات المتعددة التي توقف فيها للدراسة والإقامة,كان يستعرض التغيرات التي حدثت في الفكر المصري بعد دخول الديانة الجديدة -نسبياً- وكيف تفاعل معها الأهالي, ولعله أراد باستعراض هذه الحوادث البرهنة على أن الشعب المصري منذ القدم, متحمس دوماً لكل ما هو جديد, وأنه على استعداد لفعل أي شيئ في سبيل ما يؤمن به مسيريهم -زعمائهم- إذا أمروهم.
عندما وصل إلى الأسكندرية, كان هدفه هو طلب العلم من المدينة العظمى حينها, ولكنه صدم حين وجدها خراباً, تنعق في جوانبها غربان الجهل وأعداء التمدن بإسم الرب, ممثلة في أساقفها الدمويين, وشهد بنفسه إغتيال الفكر مجسداً في امرأة كان يكن لها كل المحبة والإجلال, فقط لأنها كانت تفكر.
وفي الأسكندرية, بدأت أيضاً صراعاته مع نفسه, حين أغوته الوثنية وعاش معها أياماً متمتعاً بكل ملذات الحياة, ولم تواته الشجاعة أن يخبرها بحقيقته لفترة, وكان من نصيبه الطرد والإذلال حين فعلها.
الرواية طويلة, وستعجز كلماتي عن الإحاطة بجميع نواحيها, وليس الهدف من كتابتي هذه عرض أحداثها, بل عرض ما استشففته منها وأدركته حين انتهيت من صفحاتها الممتعة.
الدين, أي دين, من الممكن وبسهوله أن يتحول لأداة حرب لا أداة سلام, طالما وجد من يستطيع تحريفه وطالما وجد من يؤمن به.
أقول هنا الإيمان به, وليس الإقتناع به, فحين قالها "هيبا" فقد صدق, "فلا علاقة للإيمان بالعقل, فحين ينطلق العقل في بحور الدين, يتحول حينها إلى فلسفة وفكر", وهو بالقطع مالا يريده المتربحون بالدين.
نازعتني العديد من الخواطر أثناء تجوالي في بحور الرواية, ولعل أكثرها تأثيراً كان بخصوص "عزازيل" نفسه.
فعزازيل في هذا النص ليس كياناً مستقلاً يوسوس لك كما اعتدت وآمنت منذ صغرك, بل هو أنت, أو بالأحرى, الجزء الآخر منك الذي يحرضك دوماً على الإنطلاق.
في وسط الحوارات العديدة التي دارت بين "هيبا" و"عزازيل" كان الآخير دائماً ما يصحح لـ"هيبا" فكرته الخاطئة عن أنه لا يتركه وشأنه, فهو -والكلام لعزازيل- موجود دائماً, وهو وإن ظهر, فهو يظهر لأن "هيبا" هو الذي يريد ذلك.
أجدني ميالاً بشدة إلى هذا التفسير للشيطان, بعيداً عن الوهم القائل بأنه كيان آخر يعيث فساداً بيننا ويحرضنا أبداً على ما ندعوه بالمحرمات, فلا أظن أن أي كائن مهما كان له هذه القدرة العجيبة على التواجد في كل مكان وزمان لإغواء البشرية أجمع.
عزازيل هو الجموح بداخلنا, هو رغبتنا الدائمة لفعل مالا يريدنا الآخرين فعله, هو رغباتنا المكبوتة التي ترغب في التحرر كلما سنحت لها الفرصة, هو أيضاً الأداة التي نستطيع بها تعذيب ذواتنا.
عزازيل هو نحن, ونحن عزازيل, يعيش فينا وهو جزء دائم من وجودنا, وإن كنا قد اخترعنا له كياناً, فهو لتعليق أخطائنا على غيرنا, وهي طبيعة بشرية قلما وجد من استطاع التخلص منها
الرواية عندي بقي لها فترة..بس كنت مشغول عنها
ReplyDeleteكلامك ده خللاني اطلعها من تحت الكتب و اقراها
شكرا
استمتع
ReplyDelete